Ads 468x60px

أسس وجدانيّة ( لسيدي الشريف الحسني )


    الأسّ 1
قلت ومقصودنا بهذه الرّسالة ، إضرام ثورة العرفان والوجدان ، بالذّات السيّاديّة المحمّديّة ، في زمن التّجرء على مقدارها العظيم ، لنصفع بالنّعال ذات الجلال ، وجوه أولئك السّفهاء ، فنمحقها ونسحقها ، ونقول لهم هذا بنّعله ، فكيف بحقيقته صلى الله عليه وسلم ، قل موتوا بغيضكم .
بل وإنّ النّعل لتتسامى عن أن تصفعهم ، وهي كما قال الشّاعر :   
               قوم إذا صفع النّعال قـفاهم        قال النّعال : بأي ذنب نصفع؟
ولكنّ نيّتنا الأبلغ من هذا ، هي أن نعلل وجدان أحبابنا ، من عشّاق تلك الأعتاب النّعاليّة ، وإن كانوا قليلا ماهم اليوم ، في زمن التّرهات الوهابيّة ، ولكنّ الحقّ أكثر وأكبر ، فالحقّ هو الجماعـة ، ولو من شخص واحد .
 ولاريب أنّ أهل التعلّق بالحبيب صلى الله عليه وسلم ، هم الذين قصدهم صلى الله عليه وسلم ، بقوله  يا حذيفةَ إنَّ في كلِّ طائِفةٍ مِن أمَّتِي ، قومًا شُعْثًا غُبْـرًا ، إيّايَ يُرِيدُونَ ، وإيّايَ يَـبْتَغُونَ ، أولَئكَ مِنّي ، وأنا مِنهُم ، وإنْ لمْ يَرَوني } . رواه" أبونعيم "
فهؤلاء هم أهل السنّة والجماعة ، هم أهل الحق الذين عناهم صلى الله عليه وسلم بقوله " لاتزال طائفة من أمّتي ، ظاهرين على الحقّ، حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون " رواه الشيخان .
  فعلى مثل هذا كان ساداتنا الصّحابة ، على التّعلق والولاء وخدمة النّعال الشّريفة ، وعلى مثل هذا سيبعث الإمام المهديّ عليه السلام، الّذي سينصر الحقّ ، ويظهر الحقائق ، بماذا ياترى ؟ هل بالسخافة التيميّة ؟! ، كلاّ وألف لا.. لا.. لا ، فإنّما هو من أهل البيت ، وليس من اليهود.
سيحمل نعل جدّه صلى الله عليه وسلم عاليا ، ويصدع بالسّر جاهرا ، وراثة عن جدّه خاصف النّعل عليه السلام الذي قهر بالنّعل اليهود والمنافقين ، ونال من أسراراها غاية التّحقيق ، حتى صار للأنيّة بابا وحجابا .
هذا هو الإمام المهديّعليه السلام ، يامن تشمئزّون من سماع ذكره اليّوم ، وهو الّذي فيه أزيد من خمسين حديث نبويّ ، يا من تدّعون السنّة والجماعة ، هاهي السنّة فأين أنتم ؟! .
  ولكن لاتزال في الأمّة بقيّة إن شاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فنحن جند النّعال الأوفياء ، ونحن عبيد النّعال الأصفياء ، نحن المحمّديون العلويّون المهديّون ، نحن من سيمهد للثورة المهديّة ، بالنّهج السنّيّ  الصوفيّ  التعلّقيّ  الولائيّ  النّعليّ ، وهذا هو شعارنا ، وشعار مولانا المهديّ عليه السلام .
فاللّهم إنّا نشهدك أنّنا أحباب حبيبك العظيم صلى الله عليه وسلم ، وإنّنا نتودّد إليك بودّه وخدمته ، وإنّنا وأموالنا وأهلونا فداء لشسع نعله ، عبيد بأعتاب دوابه ، فاقبضنا اللّهم على هذا ، واحشرنا على ذلك ، آمين آمين آمين ، بجاه سيّدنا ومولانا الأمين  صلى الله عليه وسلم .
الأسّ 2
ليعلم اللّبيب البصير ، أن ما نرقمه من تحقيق ، عن تلك  الحضرة النّعالية العالية ، إنّما هو محض تلويحات وإشارات ، إلى ما تواريه ورائها من كنوز ومخدرات ، ولسنا نقصد منها الجنس النّعلوتي المجرد . وهي كما قيل :
ونعـل خضعنا هيبــــة لـوقارهـا           فإنّا متى نخضعْ لهيـبتها نعلـو
فضعها على أعلى المفارق إنّهـا           حقيقتهـا تاجٌ وصورتها نعـل
وقال آخر:
 وما حبّ النّعال شغفن قلبي           ولكـنّ حب من لبـس النّعالا

وهذا الترميز يدريه أهل الحضائر والسّرائر ، أنّه أيّما حقيقة غيبية لا تظهر في هذه الدار الضيقة ، إلّا بالإشارة ، والتقريب بالمثل ، لقصر الفهوم والمدارك الحسيّة.
وكذلك هو الهيكل النموذجيّ الأنفس ، ماهو إلا تنزّل ، فحاشاه صلى الله عليه وسلم  من هذه التصوّرات البشريّة ، وهو المنزه حتى عن التّشكلات الروحانيّة ، بل وعن التعينات الجبروتيّة .
فإنّه لما علم عجزنا وقصرنا ، معشر أهل الإمكان ، عن مباشرة سبحاته الحقانيّة ، تلبس نُزُلًا بما تعهده كلُّ حضرة ، على قدر مداركها وقوابلها.
كما أنّ تنزلاته  هي الأخرى ، قاهرة بسلطانها لكل المنازل ، وآخر ما تلبست به ، لباس الجسمانيّة الإنسانيّة ، وهو مظهر الإعجاز والإعزاز ، فكأنّ شعار يقول " نعلي هذه على هامة الإمكان " فحسبكم هذا المبتدى فأدركوه ، ثم ادعوا إدراك ماهيتي .
ثم لما كانت حضرة جسمانيته العظمى ، أكبر وأعز من أن ننازلها ، فما علينا إلا أن نستأنس بآثارها ، التي هي كالبرزخ ذي الوجهتين ، فهي  من جهة من جنسنا ، ومن  جهة أخرى ، تخدم أعتابه لتستسقي لنا من أنواره وأسراره .
فلذا إختار أهل العرفان ، التّعلق بجناب النّعلوت ، لما في ذلك من معاني الخضوع  والتّذلّل ، والعجز والإحجام ، ولسان الحال ، يقول : هذه النّعال وهي أنزل تنزلاته ، فما البال بالهيكل الأعظم الأفخم ؛ فافهم .
الأسّ 3
وعادة ما يشار بحضرة النّعل عند أهل التّحقيق إلى أحد الوجهين : إمّا إلى حظيرة المبتدى ، أي مبتدى أقدامه المحمّديّة صلى الله عليه وسلم ، وذلك بتعجيز العالمين ، في تعلّقهم وتحققهم بحضرته العليّة صلى الله عليه وسلم . فكأنّها آية تحدّي لنا ، تقول : أمعشر من ادّعيتم مجارات قدمه الأزليّة الأنانيّة ، هادونكم سلطاني السّبّوحي المتنزّل ، فهل من مبارز وهل من مباري ؟ :
أنا نعلُ المختار هل مــــن مُجاري            أنا بنـــــت الأنا والمـــــنتهى جاري
أنا إن سَلْتَ عنّي أو سال سائل            لا تُسائل سِــــوايَ  عـــن أخباري
أنا ركـــــبُ الأقــــدام  في الإقدام            حيثُ لا حيثُ إعتمى السِّرُّ ساري

 وكذلك تشير بوجهة أخرى إلى المنتهى ، أي منتهانا نحن معاشر الممكنات ، لكونها سدرة منتهى الخليقة من مسلك كلّ طريقة ، بل ومن مشهد كلّ حقيقة .

فتَبَصَّـــــرْ  بِهـــــا  تَراها  بُـطونًا        سِرُّها غَيبُ غيبِ طَورِ الحواس
مُـــنتَهى  للنُّهـى  فنـاهِيك  ناهِـي        شِسْعُهـا  أُفْقُ حضـرةِ الأقـداس
وهذان الوجهان ـ المبتدى والمنتهى ـ هما حقيقة النّعال العليّة ، فحيثما ذكرناها فإنّما نقصد أحدهما ، والقضيّة كلّها ماهي إلّا من قبيل الإشارة ، على منوال أهل التّلويح بالحقائق والأسرار .
وصل به
والمقصود من الوجه الأول مضربان :
 أحدهما في التّذلّل والخضوع تعلّقا وتعشّقا بالحبيب صلى الله عليه وسلم ، وذلك كالتّوسّل له والإستعطاف ، وبالتّذلّل يسترضى السّادة والأحباب . ولقد قيل :
           تذلّل لمن تهوى فليس الهوى سهل       إذا رضي المحبوب صحّ لك الوصل
وقال سيدي ابن الفارض قدس سرّه : 
لوْ قالَ تِيهاً : قِفْ على جَمَـرِ الغَضا           لَوَقَفْـــــتُ مُمْتَثِلاً ، ولمْ أتَــوَقّـــــفِ
أوْ كانَ مَنْ يَرْضَى  بخدِّي  مَوْطِئاً           لَوَضَعْـــــتُهُ أرْضاً ، ولمْ أسْتَنْكِـــــفِ
والمضرب الآخر في الإعجاز ، كأن تقول أنتم لا تقاسون بنعله الأسمى ، ولا تقدرون على مكافحتها وإدراك كنهها ، فكيف تتطاولون على حضرة ذاته الكبرى صلى الله عليه وسلم . يقول الشاعر :
يطاولني من لستُ أرضاه موطئاً     وأُكْرِمُ نعلي أنْ أقيسَ به نعلي
وقلت :
        هيهات يا مــــن تــنكرون حالي      أولى لكم  أن تخدمــــوا نعالي

الأسّ 4
ألا وإنّ ذا البصيرة يشهد عينا ويعلم يقينا ، مايسري من أسرار في تلكم الآثار المقدسة ، بشرف إنتسابها إليه صلى الله عليه وسلم .
فإن لأنواره الظاهرة قدرة باهرة ، وهي التي خامرت كيان الجمادات ، فخشعوا ولانوا ، وانجذبوا مالم ينجذب أهل الإحساس ، والشاهد على ذلك قصة الجذع ، وجبل أحد ، والشجرة ..
كيف لا وإن نسيم نفحاته الرحموتيّة ، هو الذي يمد الوجود بالقيوميّة والحيويّة ، ولله درّ الامام البوصيري قدس الله سره إذ يقول :
           لوناسبت قدره آياته عـــــــظما        أحي اسمه حين يدعى دارس الرمم
 
إذا فما بال حال نعاله الكريمة ، وهي التي تتشرف بخدمة أقدامه الأقدسيّة ، بكرة وعشيّا ، ألا يخامرها ما خامر الجذع وأحد ، الذينِ زكاهما صلى الله عليه وسلم وضمن لهما المكانة العالية ، فضمن للجذع الجنّة ، وأثبت لأحد مزية حبه حيث قال روحي له الفداء : { أحد جبل يحبنا ونحبه} .
وما على الله العزيز بعزيز ، أن تكون للنّعال العزيزة آيات ، كما كانت في خاتم سيّدنا سليمان عليه السلام، وعصى سيّدنا موسى عليه السلام ، فما هم بأولى منه صلى الله عليه وسلم حيث تزكّت بهم تلك الجمادات ، وسرت فيها أنوارهم وأسرارهم . فوحقّ النّعل ، للنّعل أحق بهذا وأكبر .

ومن الإشارات البليغة في هذا المنحى ، قوله سبحانه حكاية عن السامريّ ] فقبضت قبضة من أثر الرّسول فنبذتها [ .
أنظر كيف خرقت له العادات وحلّت عليه الكرامات ، بتعلّقه بتراب حافر فرس سيّدنا جبريل عليه السلام . كما جاء في تفسير الطبري : عن سيّدنا ابن مسعود أنّه كان يقرؤها ] فقبضت قبضة من أثر فرس الرّسول[ .
وقال سيّدنا ابن عباس وألقي في روع السامري أنّك لا تلقيها على شيء فتقول: كن كذا وكذا إلا كان ، ولقد ألقى القبضة على حليّهم ، فصار عجلا جسدا له خوار . اهـ
وفي قوله ] بصرت بما لم يبصروا [  إشارة دقيقة ، وهي علمه بأسرار النّفحات المودعة ، عند المقربين .
قلت : فإذا كان هذا بأثر حافر فرس الملَكِ ،  فما بالك بنعال سيّد الوجود صلى الله عليه وسلم ، إن تعلقنا بها وهي التي كان سيّدنا جبريل نفسه من خدمها ولا يزال ، فما لنا لا نقدر الحبيب صلى الله عليه وسلم حق قدره .
الأس 5
وأما إن تنزلنا في المقاس ، فعلى الأقل نجعل لها مكانة في قلوبنا ، كما لسادتنا الصحابة الذين خدموه صلى الله عليه وسلم ، حيث أنّها تشرّفت بخدمته الخاصة ، ومباشرة من دون حجاب ، فما كان لساداتنا الأصحاب ذاك القدر وتلك الحقوق ، إلّا لِمَا قدّموه من تعلّق بذلك الجناب الأكبر .
أوقل أن نشهدها كأهل البيت عليهم السلام الذين هم تنزل عن جسديته صلى الله عليه وسلم كما هي حضرة النّعال كذلك ، لكونها من متاع البيت النبوي ، الذي تشرّف بالنسبة ، وتزكى بالتعلّق المباشر .
وكلّ هذا يجوز في معرض التنزّل ، أمّا في التّحقيق فهذا محال ، لأننّا حينما نشير بسيّادة النّعال ، فإنّما نقصد بها حضرة مبتداه صلى الله عليه وسلم ، وهنا لايقاس بها حتّى أولو العزم من الرّسل .
الأسّ 6
وأمّا المؤلفات في هذا الفن ، فالتحقيقيّة العرفانيّة لاتوجد ، وأمّا الظاهرة فقد اهتم بها جمهور من أهل السنّة والجماعة ، وخصوصا المتصوفون منهم ، تفنّنا وتنفّلا في التعلق بحضرته المحبوبة صلى الله عليه وسلم ، فمن مؤلف ومن مسند لفضائلها ، ومن مادح ومن راسم لمثالها ..
ومن جملة من ألف فيها ... 
* الإمام المقري رحمه الله : له ثلاثة تآليف "فتح المتعال في مدح النّعال " وهو خير ما ألف في هذا المجال ؛ واختصره في كتاب سماه "النفحات العنبريّة من وصف نعال خير البريّة" وكان قد كتب قبل ذلك "نفحات العنبر في وصف نعل ذي العُلى والمنبر" .
* وقد أفردها الحافظ بن عساكر رحمه الله بالتّأليف ، وصنّف فيها جزءا مفردا .
* وللإمام السيّوطي رحمه الله رسالة تسمى "خادم النّعل الشّريف " ذكرها في فهرس مؤلفاته .
*وكراسة لبعض المغاربة السبتيين المغاربة ، مشتملة على مقطّعات تقرب من الثلاثين ، كما حكاه المقري .
* ولأبي الرّبيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعيّ رحمه الله في مثال النّعل جزء حافل ، ضمّنه نظما ونثرا سماه : نتيجة الحب الضميم  وزكاة المنثور والمنظوم .
* ولأبي إسحاق إبراهيم بن الحاج الأندلسي رحمه الله رسالة فيها .
* وللسراج البلقيني رحمه الله رسالة سماها "خدمة نعل القدم المحمديّ ".
* وهناك رسالة تسمى "جلاء الأبصار في صفة نعل النبيّ المختار صلى الله عليه وسلم ، ولا أدري لمن هي .
* ولرضي الدين محمد عبد المجيد رحمه الله رسالة سماها بـ" المرتجي بالقبول خدمة نعل الرسول " ، قال في مقدمتها : وبعد فيقول أحقر خدام نعل النبيّ الأحيد ، رضي الدّين أبو الخير محمد عبد المجيد ..
* وكتاب " نور العينين في تحقيق النّعلين " لأبي عبد الله محمد بن عيسى المغربي رحمه الله .
* وكتاب "بلوغ الآمال إختصار فتح المتعال " للإمام النبهاني رحمه الله .
* وفي عصرنا هذا قام الشيخ أشرف علي تهماوي الهندي بتأليف كتاب و بحث خاص في الموضوع عن التداوي بنعال النبي صلى الله عليه وسلم نال بها الدكتوراه سماها "نيل الشفا بنعل المصطفى صلى الله عليه وسلم"
وقد بلغت الكتب و المصنفات في نعل الحبيب صلى الله عليه وسلم على ما قاله بعض الباحثين المعاصرين  إلى أكثر من خمسين مصنفا .
وقد اجتهد في تحقيق مثال نعاله الأريحية ، بالبحث في كتب السير أئمة فحول من الحفاظ وكبار المحدثين . فمنهم مثلا : إبن العربي ، وابن عساكر ، وابن مرزوق ، والفارقي ، والسيوطي والسّخاوي ، والتتائي ، والعراقي ، والنبهاني ، والكتاني  رحمهم الله ورضي عنهم ...
وامتدحها عليها السلام ثلة  من الأدباء المبدعين . كأبي الحسن البلانسي ، و بن عفير ، والشرف  الطنوبي ، وبن المرحل السبتي ، والحافظ بن الأبار القضاعي ، والحافظ أبو الربيع  الطلاعي ، وأبي الحسن الرعيني ، وأبي الحسن الخزرجي ، والامام ابن الجزري ، والحافظ بن رشيد الفهري ، والعلامة أحمد المقري ، والمحب النبهاني ... وغيرهم الكثير الكثير ممن لهم القصائد الطويلة ، المشتملة على عظيم الثناء ، والتوسل والتبرك بمثال نعله المجيدة  صلى الله عليه وسلم .