] تحقيق[
إعلم أنّ
نسبة النّعل إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وغيرها من الملابس ، ماهو إلّا
في هذه النشأة الجسديّة الآدميّة ، وذلك لمّا تنزل لنا بزيّنا ، وأمّا حضرته
الروحانيّة والحضرة الحقانيّة ، فإنّهما متنزّهتان عن هذه الكثافة .
ولكن قد تجدنا نشير بها تمثيلا باستعمال معناها فقط ،
كأن نقول أنّ روحه الأقدس إنتعل الحضرة مثلا وهكذا ، وأمّا النّعل فحيثما أطلقناها
نحن في مصطلحاتنا ، فإنّما نقصد بها النّعل الجسدية لاغير ، وهي كفيلة وحدها
بإعجاز الوجود وتحديه .
وكذا إنّه
مع كل ما اتّصفت به تنزلاته صلى الله
عليه وسلم
من فخامة وعظامة ، إلّا أنّه متنزّه عنها بحقيقته صلى الله
عليه وسلم ، ولا بد علينا أن نسبّحه ونقدّسه عنها ، ولو تظاهر هو
تواضعا بها .
كما أنّه لايجوز لنا أن ننسب له ، مالم يتظاهر
به من تنزّلات بمحض القياس ، فإنّ ذلك مناف للأدب معه صلى
الله عليه وسلم ، فلو لم يلبس النّعال مثلا ، لما تسنّى لنا أن
ننسبها إليه أدبا ووقارا ، ولو أنّها حينما تضاف إليه تتزكّى من وصمة الأغيار ،
وتتّسم بصبغة الأنوار ، كما هي عليه الآن .
كما أنّنا لسنا نقصد بالنّعل
نعلا معيّنة ، وإنّما كل ما انتعلته القدم المّحمّديّة صلى
الله عليه وسلم ، من يوم الظهور الجسدي في هذه الدار،
إلى يوم الإنتقال إلى الرّفيق الأعلى سبحانه ، سواء كانت تلك النّعال
موروثة إلى الآن أم لا .
لأنّنا إنّما نبحث عن المعنى ، وليس مقصودنا
المحسوسات ، كيف ونحن الذين تجدُنا في مواطن أخرى ، ننزهه صلى
الله عليه وسلم حتّى عن لباس الأسرار ، فضلا عن كسوة الأنوار ، بله انتعال الآثار.
}تدقيق
{
وما
يدريك أيها المحقق المشاهد ، ماسر ويسري من يوح التجليات صلى الله عليه وسلم إلى
ما يحيط به من كسوته الطّاهرة ، بل إنّه بمجرد أن يختار لباسا ، وينظر إليه بنظر
العناية الأنانيّة ، فإنّه يتقدّس ويتلطّف ويتعزّز ، فكيف به إذا مالبسه ، واستقى
من صبغة جماله وجلاله وكماله ، لحظة فلحظة ، فيا للحرمة وياللقداسة .
وهذا سيّدي
سيّدي عبد الواحد بن زيد ـ من رجال الحلية ـ يقول: نمت عن وردي ليلة، فإذا أنا
بجارية لم أر أحسن وجهاً منها عليها ثياب حرير خضر، وفي رجلها نعلان تقدس بأطراف
أزمتها فالنعلان يسبحان والزمامان يقدسان، وهى تقول: يا ابن زيد جد في طلبي فإني
في طلبك..
قلت : فإذا
كانت نعل جارية بهذه القداسة والنّفاسة ، التي تبهر القلوب والألباب إذا تجلّت ،
فما بالك بنعل أسّ الجمال صلى الله عليه وسلم ، ولكن لولا الحجاب ، لرأينا العجب
العجاب .
ويؤيّد
هذا قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح : ) لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى الأرض
لملأت الأرض من ريح المسك ، ولأذهبت بضوء الشمس والقمر ، ولنصيفُها ـ يعني خمارها
ـ على رأسها خير من الدنيا وما فيها [ فلإنّ كان هذا بالجزء ، فكيف بالكلّ صلى الله
عليه وسلم .
فوحقّه
العظيم ، إنّ صنديد المقاعد العنديّة ، لتترجى خلعة النّعال ، كي تتوج بها في تلك
المحاضر ، وذلك لما يشاهدونه عليها ، من نفائس النّفحات وأرقام الفتوحات .
وإنّ
لسان مقامهم المتربي في حجر " أدّبني ربي فأحسن تأديبي " إنّما يطلب
تجليّات ألطاف النّعال ، تحققا منهم بقدم الخدمة والعبوديّة ، ولعلمهم أنّها سدرة
منتهى عروجهم في الأدراج المحمّديّة ، فمهما ترقوا يشاهدونها سقفهم ، بل هي زمام
جذبهم إلى تلك الحجور ، التي لم يكونوا بالغيها إلّا بشق الأنفس .
وإذا
كانت خلع الصالحين من ورثته صلى الله عليه وسلم ، تفتح أقفال القلوب وتنور ساحات
النّفوس ، فما بالك ببحر إمدادهم صلى الله عليه وسلم .
وهذا
الشيخ علي بن ادريس اليعقوبي قدس سرّه
يقول أخذني سيدي علي بن الهيتي قدس سرّه إلى سيدي الشيخ عبد القادر
الجيلاني قدس سرّه وقال له : ياسيّدي هذا
غلامي ، فخلع الشيخ علي ثوبه ، وقال لي لبست ثوب العافية ، فمنذ أن ألبسنيه خمس وستون
سنة ما حدث لي فيه ألم أشكوه .
ثم
قال له سيدي علي : إني أطلب منك له خلعة باطنيّة ، فأطرق مليّا ، فرأيت بارقة من
نور صدرت عنه ، واتّصلت بي ، فرأيت في الوقت الحاضر ، أصحاب القبور وأحوالهم ،
والملائكة في مقاماتهم ، وسمعت تسبيحهم بلغاتهم ، وكشف لي عن أمور جليلة ،كشفا
جليا .
ثمّ قال لي: خذها ولا تخف ، فقال له سيدي علي : أخاف عليه زوال العقل ، فضرب بيده على صدري فسكنت ، ولم أرتع لشيء بعدها ، وأنا إلى الآن منذ ذلك الحين ، أستضيء بنور تلك البارقة .