Ads 468x60px

( سرّ لباسه صلى الله عليه وسلم ) للشريف الحسني قدس الله سره



]  تحقيق[

  إعلم أنّ نسبة النّعل إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم وغيرها من الملابس ، ماهو إلّا في هذه النشأة الجسديّة الآدميّة ، وذلك لمّا تنزل لنا بزيّنا ، وأمّا حضرته الروحانيّة والحضرة الحقانيّة ، فإنّهما متنزّهتان عن هذه الكثافة .
ولكن قد تجدنا نشير بها تمثيلا باستعمال معناها فقط ، كأن نقول أنّ روحه الأقدس إنتعل الحضرة مثلا وهكذا ، وأمّا النّعل فحيثما أطلقناها نحن في مصطلحاتنا ، فإنّما نقصد بها النّعل الجسدية لاغير ، وهي كفيلة وحدها بإعجاز الوجود وتحديه .

  وكذا إنّه مع كل ما اتّصفت به تنزلاته  صلى الله عليه وسلم من فخامة وعظامة ، إلّا أنّه متنزّه عنها بحقيقته صلى الله عليه وسلم ، ولا بد علينا أن نسبّحه ونقدّسه عنها ، ولو تظاهر هو تواضعا بها .
 كما أنّه لايجوز لنا أن ننسب له ، مالم يتظاهر به من تنزّلات بمحض القياس ، فإنّ ذلك مناف للأدب معه صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يلبس النّعال مثلا ، لما تسنّى لنا أن ننسبها إليه أدبا ووقارا ، ولو أنّها حينما تضاف إليه تتزكّى من وصمة الأغيار ، وتتّسم بصبغة الأنوار ، كما هي عليه الآن .

كما أنّنا لسنا نقصد بالنّعل نعلا معيّنة ، وإنّما كل ما انتعلته القدم المّحمّديّة صلى الله عليه وسلم ، من يوم الظهور الجسدي في هذه الدار،  إلى يوم الإنتقال إلى الرّفيق الأعلى سبحانه ، سواء كانت تلك النّعال موروثة إلى الآن أم لا .
لأنّنا إنّما نبحث عن المعنى ، وليس مقصودنا المحسوسات ، كيف ونحن الذين تجدُنا في مواطن أخرى ، ننزهه صلى الله عليه وسلم حتّى عن لباس الأسرار ، فضلا عن كسوة الأنوار ، بله انتعال الآثار.

 }تدقيق  {
وما يدريك أيها المحقق المشاهد ، ماسر ويسري من يوح التجليات صلى الله عليه وسلم إلى ما يحيط به من كسوته الطّاهرة ، بل إنّه بمجرد أن يختار لباسا ، وينظر إليه بنظر العناية الأنانيّة ، فإنّه يتقدّس ويتلطّف ويتعزّز ، فكيف به إذا مالبسه ، واستقى من صبغة جماله وجلاله وكماله ، لحظة فلحظة ، فيا للحرمة وياللقداسة .
وهذا سيّدي سيّدي عبد الواحد بن زيد ـ من رجال الحلية ـ يقول: نمت عن وردي ليلة، فإذا أنا بجارية لم أر أحسن وجهاً منها عليها ثياب حرير خضر، وفي رجلها نعلان تقدس بأطراف أزمتها فالنعلان يسبحان والزمامان يقدسان، وهى تقول: يا ابن زيد جد في طلبي فإني في طلبك..
قلت : فإذا كانت نعل جارية بهذه القداسة والنّفاسة ، التي تبهر القلوب والألباب إذا تجلّت ، فما بالك بنعل أسّ الجمال صلى الله عليه وسلم ، ولكن لولا الحجاب ، لرأينا العجب العجاب .
ويؤيّد هذا قوله صلى الله عليه وسلم  كما في الصحيح  : ) لو أن امرأة من نساء أهل الجنة أشرفت إلى الأرض لملأت الأرض من ريح المسك ، ولأذهبت بضوء الشمس والقمر ، ولنصيفُها ـ يعني خمارها ـ على رأسها خير من الدنيا وما فيها [ فلإنّ كان هذا بالجزء ، فكيف بالكلّ صلى الله عليه وسلم .

فوحقّه العظيم ، إنّ صنديد المقاعد العنديّة ، لتترجى خلعة النّعال ، كي تتوج بها في تلك المحاضر ، وذلك لما يشاهدونه عليها ، من نفائس النّفحات وأرقام الفتوحات .
وإنّ لسان مقامهم المتربي في حجر " أدّبني ربي فأحسن تأديبي " إنّما يطلب تجليّات ألطاف النّعال ، تحققا منهم بقدم الخدمة والعبوديّة ، ولعلمهم أنّها سدرة منتهى عروجهم في الأدراج المحمّديّة ، فمهما ترقوا يشاهدونها سقفهم ، بل هي زمام جذبهم إلى تلك الحجور ، التي لم يكونوا بالغيها إلّا بشق الأنفس .
وإذا كانت خلع الصالحين من ورثته صلى الله عليه وسلم ، تفتح أقفال القلوب وتنور ساحات النّفوس ، فما بالك ببحر إمدادهم صلى الله عليه وسلم .
وهذا الشيخ علي بن ادريس اليعقوبي قدس سرّه  يقول أخذني سيدي علي بن الهيتي قدس سرّه إلى سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس  سرّه وقال له : ياسيّدي هذا غلامي ، فخلع الشيخ علي ثوبه ، وقال لي لبست ثوب العافية ، فمنذ أن ألبسنيه خمس وستون سنة ما حدث لي فيه ألم أشكوه .
ثم قال له سيدي علي : إني أطلب منك له خلعة باطنيّة ، فأطرق مليّا ، فرأيت بارقة من نور صدرت عنه ، واتّصلت بي ، فرأيت في الوقت الحاضر ، أصحاب القبور وأحوالهم ، والملائكة في مقاماتهم ، وسمعت تسبيحهم بلغاتهم ، وكشف لي عن أمور جليلة ،كشفا جليا .

 ثمّ قال لي: خذها ولا تخف ، فقال له سيدي علي : أخاف عليه زوال العقل ، فضرب بيده على صدري فسكنت ، ولم أرتع لشيء بعدها ، وأنا إلى الآن منذ ذلك الحين ، أستضيء بنور تلك البارقة .