( من كتاب نواميس النّعال )
مبحث 1
لقد جعلنا من غرض التّغزل بها ، ذريعة للتطفل على رياض تلك المحاسن
القدسيّة ،كما كان غيرنا يشير ويعرض بذكر ليلى والغزالة أدبا مع جنابه صلى الله
عليه وآله وسلّم ، فإنّ للنّعال عوض عن تلك التمثيلات ، إذ النّعل أقرب إشارة
وأعذب عبارة .
وعليه فإنّ كلما سنذكره في مدح النّعال والتّغزّل بها ، فإنّما هو
من قبيل التّلويح والتلميح ، إشارة منّا إلى حضرة بدايته صلى الله عليه وآله وسلّم
فإن كان مدحا للكمالات ، فهو يشير إلى بديهة عظمته ، وإن كان تغزّلا وتوسلا فإنّه
يشير إلى حالنامع تنزلاته .
مبحث 2
إنّ كلما سنذكره ممّا جمعناه في مدح تلك النّعال المجيدة ، ماهو
إلّا نزر في حق ذات القداسة ، وكيف لا وهي في منتهى أطوار المحاسن والكمالات ، فلن
ينفد مداد الواصفين يستمد من قاموس كنهها ، ولن تنفك أقلام الوجدان تعبر عن فائضات
وجدانها :
قل ما تشاء فانت فيه مصدق ** الحب يقضى والمحاسن تشهد
وهذا ماشهدناه نحن من أنفسنا ، حال مدحنا لجنابها الفخيم ، فكلّما
قالت الصحف كفى ، قال وجداننا هل من مزيد ، فيناديه الإلهام من مكان قريب : ولدينا
مزيد ، هذا حال مريد آبق ، فكيف إن تصدّى لها أهل الإلهام والعرفان .
إستدراك
وإنّ ممّا يحزن ويؤسف ، أن ترى ديوانا
بكلّه ، وما فيه بيت واحد في مدح سيّد الوجود صلى الله عليه وآله وسلّم ، وهاهي الكتب المنزّلة بكلام الكبير
المتعال ، لاتخلو من تمجيده صلى الله
عليه وآله وسلّم .
فأين شكر نسبتنا إليه ، وما مدحنا له إلّا فخر لنا معشر الأمّة ، فالعجب
كلّ العجب ممّن له قدرة أدبيّة ، ولا يسخّرها في خدمة جنابه صلى الله عليه وآله وسلّم ، فما الأدب من دون مديح إلّا لغو وهراء
، وإنّ زكاة نصاب المكنة في الفصاحة والبلاغة ، أن تمتدح بها ربّ المحاسن
والكمالات صلى الله عليه وآله وسلّم .
وكنت قد أنشدت مستنكرا على صاحب المقامات في هذا :
ليست
مقامات الحريري عندي ** سوى من اللغو الذي لايجدي
فحقه وهو الأديب الغالي ** أن ينسج البديع في النعال
بل إنّني أعاتب حتّى من كانت له قصائد في المديح ، ولم يطرّزها بذكر النّعال الوسيمة ، حيث أنّ ذلك أوقع في الآذان ، وأبلغ في الوجدان .
فحقه وهو الأديب الغالي ** أن ينسج البديع في النعال
بل إنّني أعاتب حتّى من كانت له قصائد في المديح ، ولم يطرّزها بذكر النّعال الوسيمة ، حيث أنّ ذلك أوقع في الآذان ، وأبلغ في الوجدان .
وحاشا ومليار حاشا ، فلست أقصد القدح في مثل أولئك السّادة الكرام
، الذين لا أساوي موطأ شراكهم ، ولكنّني أتكلم
بلسان حال المعرفة ، إذ تقول :
ولم أرى في النّاس عـــــيباً **
كنقص القادرين على التّمامِ
وشتّان بين من ينتقد على
التفريط ، وبين من ينتقد على الإفراط ، والعياذ باللّه ، ولوأنّ الإفراط والإطراء
مستحيل في جنابه العظيم صلى الله عليه وآله وسلّم
، فمن يبلغ الغاية المنشودة في مدحه وشكره ، حتى يتعدّ إلى الغلو والإفراط
.