Ads 468x60px

( مقامات الّتعلّق بالنعل الشريفة ) للسيد الشريف قدس الله سره



  لاشك أنّه يجب علينا تجاه نعل " سيّدنا صلى الله عليه وسلم " حقوقا ، واجبة ونافلة ، كما يجب على العبيد مع ساداتهم ، فإنّ لكلّ ما يتعلق بالسّادة شأن عند مواليهم وأحبابهم ، ولاسيّما نعالهم ؛ لكونها الأكثر نزعا ، والأصغر شأنا ، ولذلك نرى الخدّام يسارعون في خدمتها ، إظهارا للعبودية والتذلّل والموالاة .
وهذا ما أدرجت عليه آدبنا الشّرعيّة ، في معاملتنا لذوي الفضل والشرف ، وكما هو معلوم من أحوال طلاب العلم والمريدين ، سلفا وخلفا.
وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ نعل سيّدنا ومولانا صلى الله عليه وسلم أولى بذلك ، لما له علينا من منّة ، ولما له عند ربّه من مكانة ، وإنّ تعلقنا بها لشاهد حال ، على إخلاصنا في التّعلق بالحبيب صلى الله عليه وسلم .
وسنعرّج هنا على بعض مايجب علينا من مقامات لها :

1 ((مقام العشق))
فلقد اتّفق أرباب الوجدان ، من أصحاب الجنون والأشجان ، أنّ من أحب أحدا ، أحبّ كلّ ما يتعلّق به ، ولا سيّما إن كان ذاك الشيء يدلّ عليه لزوما ، كلباسه ومتاعه وأبناءه ..
وإنّ قصّة مجنون ليلى مع الكلب لأغلظ حجّة على ذلك ، حينما رأى كلبا أسودا مدنّسا بالوحل ، فهرع إليه يقبله ويحسن إليه ، فلمّا عذلوه ، قال : رأيته ذات مرّة في حيّ ليلى ، فمافتنته عين الكلب ، ولكن العين التي رأت الكلب ، أو الغبار الّذي علق به ، من الأرض التي وطأتها نعال ليلى ، وهو الذي يقول :
أمر عـــلى الديار ديار ليلى       فأقبل ذا الجدارا وذا الجدارا
 وما حبّ الديار شغفن قلبي      ولكن حبّ من سكن الديارا
ولقد أحسن من أخذ هذا المعنى ، فقال :
وما حب النّعال شغفن قلبي      ولكن حبّ من لبس النّعالا
فلذا يجب عليك أيها المحب ، يامن تسعى إلى وصال حبيبك صلى الله عليه وسلم  أن تتولّه بنعاله وتهيم ، فذلك أوفى وأشفى ، لاسيّما في حالة الفراق ، فعلّل بها فؤادك العليل ، حتّى تزول حجب الفصال ، ومن لم يجد ماء تيمّم بالترب .
بل حتّى ولو كنت في حالة اتصال ، فأكّد حبّك لسيّادته صلى الله عليه وسلم بلثم شسعه ، ولعق شراكه ، كيف وأنّ الأشواق تزداد لهيبا بالتّلاق .
وكنت قد نصحت إخواني من المتعلّقين ، إذا جمعتهم بالحبيبصلى الله عليه وسلم  مشاهدة ، أن يسارعوا إلى تقبيل نعاله ، وإن أبى ذلك تنزّلّاصلى الله عليه وسلم .

  ومن طلب الدّليل على عشق النّعال الحبيبة ، فقل له : إنّ الإستدلال للبداهة من السفاهة ، ومتى نصّ الشرع على أنّ الثلاثة أكبر من الواحد .
 وقل لمن أنكر الوجوب : هو ليس واجبا عليك أنت ياجافي ، بل إنّ لزومه واجب على ذوي القلوب والوجدان ، الذين لا يحتجّون لذوقهم ، ولا يحتاجون فيه  إلى برهان ، أولئك الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم : " إستفت قلبك ، وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك "

أولا يكفي أنها لامست الجسد اللّطيف الشريف ، أوليست التي سقيت من عبيق ريحه الأنفح ، ولكن هيهات هيهات ، فلايشمها إلّا المتعلّقون ، ولا يشمها إلّا ذو حظّ عظيم .
فكما ما شمّ قميص سيّدنا يوسف عليه السلام إلّا أبوه الذي تفانى به غراما ، كذلك الحال في خلعة الحبيب صلى الله عليه وسلم بل هو أشد من ذلك .
 هَــذِهِ  النّعلُ أينَ خِرْقَــةُ يُـوســفْ      فَفُـــؤادٌ  لمْ يَنْشَـقِ  الرِّيـحَ يُـوسِفْ

  ففؤاد لم ينشق أريج شذاها ، الساري في ذرات الوجود ، ليؤسف حقا ، ولا غرو من هذا ، فإنّ ريح الجنّة يوجد من مسيرة خمسمائة سنة ، وماهي في التّحقيق إلّا أثر وطئة النّعل الأقدس الأنفس .
وهنا قد حضرتني قصة حقيقة حصلت لأحد العارفين ، وقد حكاه بعض المحبين من فلسطين ، عجل الله بفرجها آمين ، بجاه سيّدنا الأمين صلى الله عليه وسلم .
وذلك أنّه كانت هناك تحفة من تراب الحجرة الشريفة ، عند بعض المحبين ، وكان قد خزنها في بيته ، وبعد مدّة نسي مكانها ، وحصل أن كان أحد العارفين في ضيافته ،  فاتكىء على مسند من المساند . وفجأة بدأ هذا العارف يمسح دموعه الغزيرة ، ويبكي وكأنه واقف أمام مقام الحبيب صلى الله عليه وسلم بشكل أثار الحضور ، وظنوه به سقم !.
 ثم قال : يا جماعة  أنا أشم في هذا المسند رائحة الحبيب ؟! هناك رجعت الذاكرة للوراء بصاحب البيت ، وأخذ يستذكر فقام وفتح المسند ، وإذ به ذلك الأثر اللّطيف .

  فاللّهم اشهد أنّنا بعدما ذقنا قطرة من التّعلق ، فرضت علينا مهجنا : التولّه والتذلّل بنعاله وآله صلى الله عليه وسلم ، من دونما تكلف ولا تعلّم ولا احتجاج .
( وصل به)
   وإن تقل أنّى لنا بها حتّى نتعلق بها ؟ أقول : يكفي التّعلق غيبا كما نتعلّق بصاحبها صلى الله عليه وسلم ، وأمّا ذو الوجد فإنّه يهيم حتّى بصورتها أومثالها ، سيّما وإنّ صورتها صارت منشورة مشهورة اليوم ، فدونك إلثم وعانق وتمرّغ ، واتّبع كلّ مايمليه عليك وجدانك ، إن كنت من العالقين .

   وكذلك إنّ عشقها درجات ومعارج ، ولايزال السالكون يتفانون في ودادها ، حتّى لايشهدونها إلّا هي في الوجود ، ولسان حالهم يشهد " أن لامحبوب إلّا النّعال " وهكذا إلى أن تنجلي لهم أنوارها من غياباتها ، فيشهدونها خيالا ، ثمّ يترقون إلى المنام ، ثمّ إلى المثال ، ثمّ إلى اليقظة وهذا هو الفتح ، ولانهاية للترقي فيها ، كما لانهاية لمدارج كنهها .
  
وما يدريكم يا ذوي الجلافة والجفاء ، ما يخالب وجدان أهل التّعلق والولاء ، من أذواق وأحاسيس وشعور ، والعشق ذو فنون وجنون وجشون  ، وإن هذا من أغربها وأعجبها .
فهم إنّما تعلّقوا من بعدما شهدوا وعرفوا وذاقوا ، إذ أنّ نظرهم لم يتوقف على الجلد المدبوغ ، بل إلى ما يكمن في نواتها ، ويسري في ذرّاتها .
ومع كون قدرها في الوجود ، ما هو إلا أمر حكمي لا عيني ، أي حيثما حل وظهرصلى الله عليه وسلم يتجلى بنزلة نعلوتيّة ، وليست هنالك نعل مخصّصة ، لازمة لأقدامه المنزهة عن التقييد ، إلّا أنّك إذا تبصرت ياذا السريرة ، بتلك النّعال المنيرة ، التي تشرفت بخدمته في هذه الدّار ، تراها نورا محضا ، وسرا غضا .
ومن اليقينيّ عند أهل الشّهود ، أنّ أنوار الخصوص تبقى تسري في آثارهم ، إلى أن يرث الله الارض ومن عليها ، ويشهد لذلك قصة سيّدي ابن عربي قدس الله سره   حينما نزل في بعض سياحاته بمغارة ، فحصل له حال حضور وانجذاب ، فاستكشف عن سرّ ذلك ، فعلم أنّ بعض الأولياء من السّلف ، تعبّد بها ذات مرّة ، فبقيت أنواره طيلة تلك القرون .
إذا كان الحال كذلك ، فما بال أنوار النيّر الذّاتي صلى الله عليه وسلم الّتي تسري في آثاره ، أتراها تأفل ، سبحانه وتعالى عما يفترون .
إذا فلنعذر أهل الغرام والوله بنعاله الوسيمة ، بل لنعذلهم على تقصيرهم عمّا يجب لها من عشق واشتياق ، ودونك قس على حال المجانين ، بهوى الأمور الدنيّات .
فجلّنا رأى أوسمع ، إن لم نقل عايش وذاق هذ الحال ، من الخضوع والإشتياق إلى تقبيل نعال من يعشق ، سواء في المحبّة الربانيّة ، أو العاديّة ، أو الشّهوانيّة .
ولقد كذب في حبّه من لم يتذلّل بأعتاب أحبابه ، أو يشتاق إلى نيل ذلك ، فإن لم تكن من أهل الهوى فسأل به خبيرا .
   ولنا من قصّة سيّدنا يعقوب عليه السلام في شفائه بقميص قرّة عينه سيّدنا يوسف عليه السلام، خير دليل وأوثق شاهد ، على التّعلق بالنّعال الساميّة .
  هيهات هيهات ، فذلك قميص سيدنا يوسفعليه السلام، ولكن هذه نعل مجلى الجمال الذّاتي ، المقدّس عن النّظير ، فيا ترى كيف يكون حال العاشقين للحبيب صلى الله عليه وسلم مع خلعته هذه .
وانظر إلى الإمام الشّافعي رحمه الله  وهو من هو ، كيف يفعل مع قميص تلميذه الإمام أحمد رحمه الله  ، وذلك فيما أورده ابن عساكر في تاريخه ، والسّبكي في الطبقات وغيرهم عن الرّبيع رحمه الله :
إستأذنت شيخي الشافعي ذات مرّة في سفر فقال لي : يا ربيع خذ كتابي هذا فامض به وسلمه إلى أبي عبد الله ، وائتني بالجواب .  
قال الرّبيع فدخلت بغداد ومعي الكتاب ، فصادفت أحمد ابن حنبل في صلاة الصّبح ، فلمّا انصرف من المحراب سلّمت إليه الكتاب ، وقلت هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر ، فقال لي نظرت فيه ؟ فقلت لا ، فكسر الختم وقرأ وتغرغرت عيناه ، فقلت له : أيش فيه أبا عبد الله فقال يذكر فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له اكتب إلى أبى عبد الله فاقرأ عليه السلام وقل له إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم ، فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة .
قال الربيع : فقلت له البشارة يا أبا عبد الله ، فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده فأعطانيه ، فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى الشافعي رحمه الله  ، فقال أيش الذي أعطاك فقلت قميصه ، فقال الشافعي رحمه الله : ليس نفجعك به ، ولكن بُلَّهُ وادفع إليّ الماء لأتبرك به .

( نقشها الظاهر ) للسيد الشريف الحسني قدس الله سره



وهذه باقة من سيرة النّعال الزاهرة ، وإن لم يكن مقصودنا هنا إلّا التّحقيق ، ولكن لا بأس بهذا للإستئناس ، فإنّ الوجدان لايرتوي من ذكر المحبوب .

لِكُـــــلِّ امْــــرِئٍ مُــــشْتَهى قَلْبِـــهِ       وَهَـــــلْ يُذْنِبُ القَلْبُ في حُبِّهِ
فإنْ كُنتَ تَقْـــوَى عـــــلى سَـلْبِهِ       فَأنْـــــقِظْ فُــــؤادِيَ مِــــن ذَنْبِهِ
                     هِيَ الرُّوْحُ والقَلْبُ ماءُ العُيُونْ

قال الإمام القاري في " جمع الوسائل في شرح الشمائل " : النّعل قد يجيء مصدرا وقد يجيء إسما ، وهو محتمل للمعنيين هنا ، والثاني هو الأظهر . اهـ
وقال العسقلاني:  وهو يطلق على كل ما يقي القدم ، وهي مؤنثة . اهـ
وقال ابن العربي :  والنّعل لباس الأنبياء ، وإنما اتخذ الناس غيره لما في أرضهم من الطين ، ولعله أخذه من قوله تعالى) : فاخلع نعليك  ) مع ما ثبت من لبس صلى الله عليه وسلم للنعال ، وفي حديث مسلم : " استكثروا من النعال فإنّ الرجل لا يزال راكبا ما انتعل  .
وقال صلى الله عليه وسلم : أمرت بالنّعلين والخاتم ( الشيرازي و الخطيب والضياء )
وروي أن من أسمائه صلى الله عليه وسلم في الكتب القديمة " صاحب النعلين " كما روى البيهقي عن مقاتل بن حيان قال أوحى الله عز وجل إلى سيّدنا عيسى u.. إني أنا الله الحي القيوم الذي لا أزول ، صدقوا النبيّ الأميّ العربيّ ، صاحب الجمل ، والمدرعة ، والعمامة ، والنّعلين ، والهراوة .. "

وجاء في الحديث أن أعرابيا نادى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " يا خير من يمشي بنعل " .
وروى الشيخان عن عبيد بن جريج أنه قال لسيّدنا ابن عمر رضي الله عنه : ( رأيتك تلبس النعال السِّبْتَيَّةِ !، قال : إِنِّيْ رَأَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ   صلى الله عليه وسلميَلبسُ النِّعَالَ الَّتِيْ لَيْسَ فِيْهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّؤُ فِيْهَا ؛ فَأَنا أُحِبُّ أَن أَلْبَسَهَا )  .  
وأخرج الحافظ ابن حجر في الاصابة مانصه : حدثنا زياد أبو عمر قال دخلنا على شيخ يقال له مهاجر ، وعليّ نعل لها قبالان ، وكنت أريد تركه لشهرته ، فقال لي لا تتركه فإنّ نعل النبيّ صلى الله عليه وسلم كان لها قبالان .
وأخرج ابن ماجه  من حديث عيسى بن طهمان ؛ قال : ( أَخرجَ إِلينَا أَنْسُ بن مَالِكَ نِعْلَينِ جَردَاوَيْن لَهُمَا قُبَلان  { قال : فحدثني ثابت بعدُ ، عن أنس أنهما : كانتا نعلي النبي صلى الله عليه وسلم .
وروى ابن ابي الدّنيا عن عدي بن الفضل قال : قال لي أيوب : أحذ نعلين على نحو حذو نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففعلت .
وروى عبد الله الأصبهاني في كتاب " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم و آدابه " عن يزيد بن أبي زياد قال رأيت نعل النبي مخصرة ملسنة لها عقب خارج .

وروى ابن سعد  " الطبقات الكبرى " عن سيّدنا أنس بن مالك أنّ النبيصلى الله عليه وسلم  كان لنعله قبالان ، من سبت أي ليس عليها شعر .
وعن عبد الله بن الحارث قال كانت نعل النبي صلى الله عليه وسلم لها زمامان شراكهما مثني في العقدة .
وعن هشام بن عروة قال رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة ملسنة لها قبالان .
وفي  " الروض الأنف في تفسير سيرة ابن هشام "  لعبد الرحمن السهيلي قال :
وجاء في صفة نعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت معقبة ملسنة مخثرمة ، والمخثرمة : التي لها خثرمة وهو كالتّحدير في مقدمها ، وكانت نعله من سبت ، ولا يكون إلا من جلد بقر مدبوغ .
فصل
وأمّا عن أطوار تواجدها في العالم  المحسوس ، فقد تضاربت الروايات في ذلك ، وإن كان هذا ليس بالّذي يمسّ في مكانتها ، ولا من واجب حقوقها علينا .
ذلك لإنّ هذه الآثار النبويّة العزيزة ، قد واجهتها تيّارات متطرّفة عدّة ، فمن أعداء يريدون طمسها ، ومن ملوك يودّون اقتناءها ، ومن تجّار يرغبون في الربح منها ، ومن كذّابين مزوّرين يدّعون إرثها .. فكلّ هذه العوامل وغيرها  ، هي التي أثّرت في تاريخ تلك الآثار الشّريفة .

وإنّ النّعل الكريمة من تلك الآثار ، علما بأنّه لم تكن لمولانا الحبيبصلى الله عليه وسلم نعل واحدة ، وأنّ آثاره حفظتها الأمّة بجدّ من بعده ، وأنّ مابقي منها ما بيننا ، إنّما هو الأثر لا السّرّ ، لأنّ أسرار الآثار النبويّة كلّها ترفع مع أصحابها ، واقرأ إن شئت آية التّابوت ] وبقيت ممّا ترك آل موسى وآل هرون تحمله الملائكة [ هذا وإن كانت في الحسّ ظاهرة الأثر .

وكم سمعنا مثل هذا التنزّل لآثار الحبيب صلى الله عليه وسلم ، كما تنزلّت آثار الأنبياء من قبل ، فكأيّن من عارفين خلع عليهم صلى الله عليه وسلم بردته الشّريفة ، أو نعله اللّطيفة ، أو عمامته المنيفة ، أو سيفه العزيز ..
وصل به

وأمّا ما وعاه لنا التّاريخ ، من آثار النّعال النفيسة ، فهو كثير ونذكر منه :
مارواه الترمذي في " الشّمائل "عن عيسى بن طهمان قال : أمر سيّدنا أنسرضي الله عنه وأنا عنده ، فأخرج نعلا لها قبالان ، فسمعت ثابتا البناني يقول  : هذه نعل النبي صلى الله عليه وسلم .

وروى ابن سعد  " الطبقات الكبرى " عن سيّدنا جابررضي الله عنه أن محمّد بن الحنفيّة رضي الله عنه أخرج لنا نعل سيّدنا رسول الله  صلى الله عليه وسلمفأرانا معقبة مثل الحضرمية لها قبالان .

وما جاء في طبقات الحنفية في ترجمة محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم البخاري الفضلي من أهل بخارى من بيت العلم ومن أحفاد الإمام أبي بكر محمد بن الفضل ولي الخطابة بجامع بخارى مدة قال السمعاني كتبت عنه ببخارى ولما دخلنا داره للقراءة عليه أخرج لنا نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصاه بنصفين وقطعة خشب وقال هذا من قصعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثناه أبا عن جد من مائة وخمسين سنة فتبركنا بذلك .

وقال الأسدي في تاريخه في سنة خمس وعشرين وستمائة في ترجمة نظام الدين أبي العباس أحمد بن عثمان بن أبي الحديد السلمي: مولده بدمشق وهو من بيت مشهور وروى منهم جماعة وفيهم خطباء وعلماء وحصل كتبا وجملة من الكتب النفيسة.
    ثم قال : وكانت معه فردة نعل النبي صلى الله عليه وسلم ورثها من آبائه والأمر فيه معروف فإنّ ابن السمعاني ذكر أنه رأى هذا النّعل لما قدم دمشق عند الشيخ عبد الرحمن بن أبي الحديد سنة ست وثلاثين وخمسمائة وكان الأشرف يقربه لأجل أن يشتريه منه ، ويضعه في مكان المارة حتى يزار ، فلم يسمح بذلك ، وسمح بأن يقطع له منها قطعة ، ففكر الأشرف أن الباب يفتح في ذلك ، فامتنع من ذلك ، ثم رتبه الملك الأشرف بمشهد الخليل المعروف ـ بالذهبانية ـ  بين حران والرقة ، وقرر له معلوما ، فأقام هناك إلى أن توفي ، وأوصى بالنّعل للأشرف ، ففرح بها فأوقفها بدار الحديث الأشرفية .
قال : ولم يزل بدار الحديث إلى الفتنة التمرلنكيه ، فأخذه التمرلنك وأخذ الفردة الأخرى من المدرسة الدماغية ، وكان العلامة بدر الدين ابن مكتوم رحمه الله يقول : إنّ الّتي في الأشرفيّة اليسار وإنّ الّتي في الدّماغيّة اليمين ، وكانت الشهرة للتي في الأشرفية لشهرة مكانها وخفاء مكان الآخرى ، فأخذ التمرلنك الفردتين ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . أهـ
   وذكر في البداية والنهاية .. أنّ في ليلة النصف من شعبان من ذاك العام ، فتحت دار الحديث الأشرفيّة المجاورة لقلعة دمشق ، وأملى بها الشيخ تقي الدين بن الصلاح الحديث، ووقف عليها الأشرف الأوقاف ، وجعل بها نعل النبي صلى الله عليه وسلم .

وذكر الشيخ عبد السّلام القادري في( نشر المثاني) أنّه يوجد بحوزة الأشراف الصقلّيين الحسينيين ، الذين هم بفاس (نعل شريف) ، كانوا قد ورثوه عن أجدادهم .
وذكر الشيخ عبد الكريم المدرّس في كتابه " علامائنا في خدمة الدّين "
أنّه توجد ببلاد الأكراد ـ بالعراق ـ قرية تسمى (سولهتاباد) وهي مسمّاة على النّعل الشريفة ، المحفوظ هاهاناك عند بعض الأشراف ، والنّعل يسمى عند الأكراد بـ (سول ) .. اهـ

و يذكر المترجمون من الأعاجم ، أنّه يوجد " نعل شريف " ببلاد باكستان في وسط مدينة لاهور عاصمة البنجاب وذلك في مسجد "بادشاهي" .

وأمّا النّعل المشهور الآن هو ذاك الذي إقتنته الدولة العثمانيّة ، وحملته في موكب حافل من الحرم النبوي إلى تركيا ، وكان ذلك بأمر من السّلطان فخري باشا ، وهو آخر حكام آل عثمان على المدينة المنورة ، قبل زوال سلطانهم عليها إبان الحرب العالمية الأولى  ، حيث عمد إلى إدخال قطار الحجاز إلى أقرب موقع ممكن من المسجد النبوي الشريف ، ثمّ نقل هذه الكنوز إلى تركيا ، خيفة لعب الأيادي الوهابيّة واليهوديّة بها .
وقد خصّص لذلك قطار سماه ( قطار الأمانات المقدسة ) وذلك عام 1335 هجري الموافق 1917 ميلادي ، وصورة القطار إلى الآن موجودة .
وجعلت هذه التحف المقدّسة ، في غرف خاصة جدّا في القصر السلطاني ، وهي إلى الآن محفوظة في متحف " قصر توب كابي "  وهناك عدّة آثار بذلك المتحف ، ومن ضمنها تلك النّعال المقدّسة ، التي حفظها الله بعنايته للأمّة ، وإلّا للحقتها الأيادي الوهابيّة النّجسّة .
وصل به
وإنّ من شديد تعلّق سلفنا بحضرة النّعال ، أنّهم لمّا غاب عنهم عينها ، إجتهدوا في التّعلق بمثالها ، حيث أنّه تسلسلت روايات المثال عند المحدثين ، كابرا عن كابر ، حتّى إلى من رآه ، أو من كانت عنده النّعل الشريفة .
وأدل شاهد على ذلك كتاب " جزء مثال النّعال " لابن عساكر ، الذي أسند فيه تسلسل رواية مثال النّعل الشّريف ، منه حتّى إلى التابعين ثمّ إلى الصحابة ، وقد إستجازه منه جمهور المحدثين ، حتّى وصلت إلينا نحن روايته ولله الحمد ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
 و كذلك هناك جزء" تمثال نعلي النبي صلى الله عليه وسلم" لأبي روح الهروي ، و كتاب "اللآلي المجموعة من باهر النظام وبارع الكلام فى وصف مثال نعلي رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام" لعبد الله بن محمد بن هارون الطائي القرطبي الأندلسي ، وغيرهم العديد ...
وهذا الحافظ العراقي رحمه لله تعالى ، يمثله لنا في " ألفية السيرة النبويّة " :

وَنَـــــعُلهُ الكريمـــــةُ المَصُونَـــهْ          طوبى لمـــن مــسَّ بها جبيـــنه
لها قِـــــبَالان بِسَـــــيْرٍ  وهما          سبتيتان  سَيَتـــوا شَــــعْــرهما
وطولها  شـــــبرٌ  وإصبعان          وعرضــها مما يـــــلي الكــــعبان
سبعُ أصابــــع  وبــطن القدم         خمسٌ وفـــوق ذا فَسِتٌ فاعلم
ورأسها محددٌ وعــــرضُ مـا          بين القبالين اصبعان اضبطهما
وهذه مِثالُ تـــــلك النّــــعـل         ودوْرُها أكــــرِمْ بهــــا مـن نعلِ

ولقد دأب ساداتنا من قبلُ ، على رسم المثال الشريف ، إمّا على هيأته المرويّة ، أو طبقا لشهادة من زاره ، فكلّ أحد يرسمه على رسم الآخر ، ولا زال ذلك ديدن العارفين والعلماء الربّانين ، فضلا عن العوام المحبين ، فبقيت تلك الخصلّة الحميدة ، شائعة طوال عصور الأمّة .
وأمّا اليوم وفي الوقت الذي يسعى فيه ، اليهود والوهابيّة إلى طمس معالمه صلى الله عليه وسلم ، سخر الله تعالى لنا هذه الآلات التصويريّة ، التي صورت لنا النّعل اللطيفة ، طبقا للأصل الذي في مزارتها ، وخصوصا التي بدولة تركيا ، فلا زالت تنشر عبر وسائل الإتصالات والإعلام ، ويتبادلها المحبون من موقع إلى موقع ، ومن حاسوب إلى حاسوب ، ومن هاتف إلى هاتف ..